سورة طه - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


قلت: {في جذوع النخل}، قال المحلي: أي: عليها، وهو مذهب كوفي، وأما مذهب البصريين فيقولون: ليست {في} بمعنى على، ولكن شبه المصلوب، لتمكنه في الجذع، بالحالّ في الشيء، وهو من الاستعارة التعبيرية، و{من خلاف}: في موضع الحال، أي: مختلفات.
يقول الحقّ جلّ جلاله: فلما ألقى موسى عصاه انقلبت حية عظيمة، فابتلعت تلك الحبال والعصي، {فألقي السحرةُ سُجّدًا} لما تيقنوا أن ذلك ليس من باب السحر، وإنما هي آية من آيات الله. رُوي أن رئيسهم قال: كنا نغلب أعين الناس، وكانت الآلات تُبقى علينا، فلو كان هذا سحرًا، فأين ما ألقينا من الآلات؟ فاستدلوا بما رأوا على صحة رسالة موسى. فألقاهم ما شاهدوه على وجوههم، فتابوا وآمنوا، وأتوا بما هو غاية الخضوع، قيل: لم يرفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار، والثواب والعقاب. وعن عكرمة: لما خروا سُجدًا، أراهم الله تعالى، في سجودهم، منازلهم في الجنة. ولا ينافيه قولهم: {إِنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا}، لأن كون تلك المنازل منازلهم هو السبب في صدور هذا القول منهم.
{قالوا آمنا بربّ هارون وموسى}، قدّموا هارون؛ إما لكبر سنه، أو للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون، حيث كان ربَّى موسى عليه السلام في صغره، فلو قدّموا موسى لربما توهم اللعين وقومه، من أول الأمر، أن مرادهم فرعون، فأزاحوا تلك الخطرة من أول مرة. {قال آمنتم له} أي: لموسى، واللام؛ لتضمن الفعل معنى الانقياد والخضوع، أي: أذعنتم له {قبل أن آذن لكم} أي: من غير أن آذن لكم، {إِنه} أي: موسى {لكبيرُكُم} أي: أستاذكم وأعلمُكم في فنكم، {الذي عَلّمكُمُ السحرَ}، فتواطأتم على ما فعلتم، وهذه منه شبهة واهية؛ أين كان موسى عليه السلام، وأين كان السحرة، حتى علمهم؟ ولكن صدر منه هذا؛ خوفًا على الناس أن يتبعوا موسى عليه السلام، ويقتدوا بالسحرة، فأوهم عليهم، مع ما سبق في علم الله من ضلالتهم.
ثم اقبل على السحرة بالوعيد، فقال: {فلأقَطِّعَنّ أيديَكم} أي: فوالله لأقطعن أيديَكم {وأرجُلَكم من خلافٍ} أي: اليد اليمنى والرجل اليسرى. وتعيين تلك الحال؛ للإيذان بتحقيق هذا الأمر وإيقاعه لا محالة، فتعيين تلك الحالة المعهودة من باب السياسة، أو لأنها معهودة لمن خرج عن حكم طاعته. {ولأصلبَنَّكم في جذوع النخل} أي: عليها، وإتيان كلمة في؛ للدلالة على إبقائهم عليها زمنًا مديدًا، تشبيهًا في استمرارهم عليها باستقرار الظرف في المظروف المشتمل عليه، وقيل: هو أول من صلب. {ولتعلمنّ أيُّنا}، يريد نفسه أو موسى عليه السلام، حيث خافوا من عصاه فأسلموا، فَهِم اللعين أن إيمانهم لم يكن للمعجزة، إنما كان خوفًا، حيث رأوا عصاه ابتلعت حبالهم وعصيهم، أو يريد {أينا} أي: أنا أو رب موسى وهارون، الذي آمنتم به، {أشدُّ عذابًا وأبقى} أي: أدوم.
قالوا: لم يثبت في القرآن أن فرعون فعل بأولئك المؤمنين ما أوعدهم به، ولم يثبت في الأخبار، لكن رُوي عن ابن عباس، وغيره، أنه أنفذه. ورُوي أن امرأة فرعون كانت تسأل: من غلب؟ فيقال لها: موسى، فقالت: آمنت برب موسى وهارون، فأرسل إليها فرعون يُهددها، وقال: انظروا أعظم صخرة، فإن استقرت على قولها فألقوها عليها، فلما ألقوها رفعت بصرها إلى السماء فأريت بيتها في الجنة، فمضت على قولها، وانتزعت روحها منها، وألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه. قاله الثعلبي. والله تعالى أعلم.
الإشارة: من سبقت له العناية، لا تضره الجِنَايَة. هؤلاء السحرة جاؤوا يحادون الله ورسوله، فأضحوا أولياء الله. رُوي أن موسى عليه السلام لما قال لهم: {ألقوا ما أنتم ملقون}، سمع هاتفًا يقول: ألقوا يا أولياء الله، فتحير موسى عليه السلام، وأوجس في نفسه خيفة، وقال: كيف أعارض أولياء الله، فلما ألقى عصاه ظهرت ولايتهم. فكم من لصوص خرج منهم الخصوص. ففي أمثال هؤلاء تقوية لرجاء أهل الجناية، إذا طلبوا من الله سِرَّ العناية، وإدراك مقام الولاية، ولذلك ابتدأ القشيري في رسالته بذكر من تقدم له جنايات من الأولياء، كالفضيل، وابن أدهم، وأضرابهم- رضي الله عن جميعهم-.


قلت: {هذه الحياة الدنيا}: نصب على إسقاط الخافض. اتساعًا، لا نصب على الظرفية؛ لأن الظرف المختص لا ينتصب على الظرفية، على المشهور، و{الذي فطرنا}: عطف على {ما جاءنا}، أو قَسَمٌ حُذف جوابه، أي: وحق الذي فطرنا لا نؤثرك... إلخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله: حاكيًا عن السحرة، لمَّا خوفهم فرعونُ: {قالوا} غير مكترثين بوعيده: {لن نُؤْثِرَكَ} أي: لن نختارك، باتباعك {على ما جاءنا} من الله تعالى على يد موسى عليه السلام {من البينات} أي: المعجزات الظاهرة؛ لأن ما ظهر من العصا كان مشتملاً على معجزات جمة، كما تقدم. {والذي فَطَرَنَا}: خلقنا وخلق سائر المخلوقات، أي: لن نختارك على ما ظهر لنا من دلائل صحة نبوة موسى، ولا على الذي خلقنا، حتى نتبعك ونترك الحق، وكان ما شاهدوه آية حسية، وهذه آية عقلية. وإيراده بعنوان فاطريته تعالى؛ للإشعار بعِلِّية الحكم، فإن خالقيته تعالى لهم ولفرعون- وهو من جملة مخلوقاته- مما يوجب عدم إيثارهم له عليه سبحانه، أو: وحق الذي فطرنا لا نؤثرك على ما جاءنا، {فاقض ما أنت قاضٍ} أي: فاصنع ما أنت صانعه، أو: فاحكم ما أنت حاكمه. وهو جواب لقوله: {لأقطعن أيديكم...} إلخ. {إنما تقضي هذه الحياةَ الدنيا} أي: إنما تصنع ما تهواه، أو تحكم ما تراه في هذه الحياة الدنيا الفانية، ولا رغبة لنا في البقاء فيها، رغبة في سكنى الدار الدائمة، بسبب موتنا على الإيمان.
{إِنّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا} التي اقترفنا، من الكفر والمعاصي، ولا يؤاخذنا بها في الآخرة، فلا نغتر بتلك الحياة الفانية، حتى نتأثر بما أوعدتنا به من القطع والصلب، {و} يغفر لنا أيضًا {ما أكرهتنا عليه من السحر} الذي عملناه في معارضة موسى عليه السلام، بإكراهك وحشرك لنا من المدائن القاصية، وخصوه بالذكر، مع اندراجه في خطاياهم؛ إظهارًا لغاية نفرتهم عنه، ورغبة في مغفرته، وفي ذكره الإكراه: نوع اعتذار؛ لاستجلاب المغفرة، وقيل: أرادوا الإكراه على تعلم السحر، لما رُوي أن رؤساءهم كانوا اثنين وسبعين؛ اثنان منهم من القبط، والباقي من بني إسرائيل، وكان فرعون أكرههم على تعلم السحر، وقيل: إنه أكرههم على المعارضة، حيث رُوي أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى نائمًا، ففعل، فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا بسحر، فإن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى إلا أن يعارضوه. لكن يأباه تصديهم للمعارضة بالرغبة والنشاط، كما يُعرب عنه قولهم: {إِنَّ لَنَا لأَجْراً...} [الأعرَاف: 113] إلخ، وقولهم: {بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ الغالبون} [الشُّعَرَاء: 44]، إلا أن يُقال: لما رأوا جدَّهُ طمعوا وطلبوا الأجر. {والله خيرٌ وأبقى} أي: وثواب الله خير من إيثار الدنيا الفانية، وأبقى في الدار الباقية، أو: والله في ذاته خير، وجزاؤه أبقى، نعيمًا كان أو عذابًا.
ثم عللوا خيريته وبقاءه فقالوا: {إِنه مَن يأت ربه مجرمًا} بأن يموت على الكفر والمعاصي، {فإِنّ له جهنمَ لا يموتُ فيها} فيستريح وينتهي عذابه، وهذا تحقيق لقوله: {وأبقى}، {ولا يحيا} حياة ينتفع بها، وضمير {إنه}: للشأن، وفيه تنبيه على فخامة مضمون الجملة؛ لأن مناط وضع الضمير موضعه ادعاء شهرته المغنية عن ذكره، مع ما فيه من زيادة التقرير، فإن الضمير لا يفهم منه أول الأمر إلا شأنٌ مبهَمٌ له خطر، فيبقى الذهن مترقبًا لما يعقبه، فيتمكن، عند وروده، فَضل تمكن، كأنه قيل الشأن الخطير هذا.
{ومَن يأتِهِ مؤمنًا} به تعالى، وما جاء من عنده من المعجزات، التي من جملتها ما شهدناه، حال كونه {قد عمل الصالحات} أي: الأعمال الصالحات، وهي كل ما استقام شرعًا وخلص عقدًا، {فأولئك} أي: من يأت مؤمنًا... الخ. وجمع الإشارة؛ باعتبار معنى مَن، كما أن الإفراد في الفعلين السابقين باعتبار لفظها، وما فيه من معنى البُعد؛ للإشعار بعلو درجتهم وبُعد منزلتهم، أي: فأولئك المؤمنون العاملون للصالحات، {لهم} بسبب إيمانهم وأعمالهم الصالحات {الدرجات العُلى} أي: المنازل الرفيعة، وليس فيه ما يدل على عدم اعتبار الإيمان المجرد عن العمل في استتباع الثواب؛ لأن ما نيط بالإيمان المقرون بالأعمال الصالحة هو الفوز بالدرجات العلى، لا بالثواب مطلقًا.
ثم فسر تلك الدرجات، فقال: {جناتُ عَدْنٍ} أي: إقامة على الخلود، حال كونها {تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها وذلك جزآء من تزكى} الإشارة إلى ما أنتج لهم من الفوز بالدرجات العلى. والبعد في الإشارة؛ للتفخيم، أي: ما تقدم من الفوز بالدرجات العلى هو جزاء من تطهر من دنس الكفر والمعاصي، بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة، وهذا تحقيق لكون ثوابه تعالى أبقى. وتقدم ذكر حال المجرم، للمسارعة إلى بيان أشدية عذابه ودوامه، ردًا على ما ادعاه فرعون بقوله: {أينا أشدُ عذابًا وأبقى}، هذا وقد قيل: إن قوله: {إِنه من يأت...} إلخ، ابتداء كلام من الله عزّ وجلّ. والله تعالى أعلم.
الإشارة: في الآية تحريض للفقراء أهل النسبة وأرباب الأحوال، على الثبوت في طريق السلوك، وعدم الرجوع عنها، حين يكثر عليهم الإنكار والتهديد، والتخويف بأنواع العذاب، فلا يكترثون بذلك ولا يتضعضعون، وليقولوا كما قال سحرة فرعون: {لن نُؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقضِ ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا...} الآية. وقد جرى هذا على كثير من الصوفية، أُوذوا على النسبة، فمنهم من قُتل، ومنهم من طُوف، ومنهم من أُجلى عن وطنه، إلى غير ذلك مما جرى عليهم، ومع ذلك لم يرجعوا عما هم عليه، حتى وصلوا إلى حضرته تعالى وذاقوا. وما رجع من رجع إلا من الطريق، وأما من وصل فلا يرجع أبدًا، ولو قُطع إربًا إربًا. والله ولي المتقين.


يقول الحقّ جلّ جلاله: {ولقد أوحينا إِلى موسى أنْ أسرِ بعبادي} بعد ما لبث يدعو فرعون إلى الله تعالى ويُريه الآيات المفصلات، بعد غلبة السحرة، نحوًا من عشرين سنة، كما فصّل ذلك في الأعراف، فلما أيس من إيمانهم أوحى الله بالخروج عنهم، أي: والله لقد أوحينا إلى موسى أن أسر، أو بأن أسر بعبادي الذين أرسلتك لإنقاذهم من يد فرعون، أي: سر بهم من مصر ليلاً إلى بحر القلزم. والتصدير بالقسم؛ لإبراز كمال العناية بمضمونها، والتعبير عنهم بعبادي؛ لإظهار الرحمة والاعتناء بهم، والتنبيه على غاية قبح صنيع فرعون، حيث استعبدهم، وهم عباده عزّ وجلّ، وفعل بهم من فنون العذاب ما فعل. {فاضربْ لهم} أي: اجعل لهم، أو اتخذ لهم {طريقًا في البحر يبسًا} أي: يابسًا لا ماء فيه، {لا تخاف دَرَكًا} أي: حال كونك آمنًا من أن يُدرككم العدو، {ولا تخشى} الغرق، وقرأ حمزة: {لا تخف} بالجزم، جوابًا للأمر، فيكون {ولا تخشى}: إما استئناف، أي: وأنت لا تخشى، أو عطف عليه، والألف للإطلاق، أو يقدر الجزم، كقوله:
ألَمْ يأتِكَ والأنْباءُ تَنْمِي ***
. إلخ.
وتقديم نفي خوف الدرك، للمسارعة إلى إزاحة ما كانوا عليه من الخوف، حيث قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشُّعَرَاء: 61]. {فَأَتْبَعَهُمْ فرعونُ بجنوده} أي: تبعهم ومعه جنوده حتى لحقهم، يقال: اتبعتهم، أي: تبعتهم، إذا كانوا سبقوك ولحقتهم، ويؤيده قراءة: {فاتَّبَعَهُمْ} بالشد. وقيل: الباء زائدة، والمعنى: فأتبعهم فرعون جنودَه، أي: ساقهم خلفهم، وأيًا ما كان، فالفاء فصيحة مُعْربة عَن مضمر قد طوى ذكره، ثقة بظهوره، وإيذانًا بكمال مسارعة موسى إلى الامتثال، أي: فَفَعل ما أُمر به من الإسراء بهم، وضرب الطريق في البحر وسلكوه، فأتبعهم بجنوده برّا وبحرًا.
رُوِيَ أن موسى عليه السلام خرج بهم أول الليل، وكانوا ستمائة وسبعين ألفًا، فأخبر فرعون بذلك، فأتبعهم بعساكره، وكانت مقدمته سبعمائة ألف، فقص أثرهم فلحقهم، بحيث تراءى الجمعان، فلما أبصروا رهجَ الخيل، قالوا: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشُّعَرَاء: 61، 62]. فلما قربوا، قالوا: يا موسى أين نمضي، البحر أمامنا، وخيل فرعون خلفنا، فعند ذلك ضرب موسى عصاه البحر فانفلق على ثنتي عشرة فرقة، {كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} [الشُّعَرَاء: 63] أي: كالجبل العظيم من الماء، وكانوا يمرون به، وكلهم بنو أعمام، لا يرى بعضُهم بعضًا، فقالوا: قد غرق إخواننا، فأوحى الله إلى أطواد الماء: أن اشتبكي، وصارت شبابك، يرى بعضهم بعضًا، ويسمع بعضهم كلامَ بعض، فلما أتى فرعونُ الساحلَ، وجد البحر منفلقًا، فقال: سحر موسى البحر، فقالوا: إن كنت ربًا فادخل كما دخل، فجاء جبريلُ على رَمَكةٍ ودَيِقٍ، أي: تحب الفحل، وكان فرعون على حصان، فاقتحم جبريل بالرمكة الماء، فلم يتمالك حصان فرعون، فاقتحم البحر على إثره، ودخل القبط كلهم، فلما لَجَّجُوا، أوحى الله تعالى إلى البحر أن أغرقهم، فعلاهم البحر وأغرقهم.
فَعبَر موسى عليه السلام بمن معه من الأسباط سالمين، وأما فرعون وجنوده {فغَشِيَهم من اليمِّ ما غشيهم} أي: علاهم منه وغمرهم من الأمر الهائل، الذي لا يُقادر قدره ولا يبلغ كنهه. قال القشيري: فغرقوا بجملتهم، وآمن فرعونُ لما ظهر له البأس، فلم ينفعه إقراره، وكان ينفعه لو لم يكن إصرارُه، وقد أدركته الشقاوةُ التي سَبَقَتْ له من التقدير. اهـ. وقال الكواشي: {وغشيهم} من الغضب والغرق، وغير ذلك، ما لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى. اهـ. فإبهام الصلة؛ للتهويل والتفخيم، وقيل: {غشيهم من اليم} ما سمعتَ قصته في غير هذه السورة، وليس بشيء؛ فإن مدار الإبهام على التهويل والتفخيم، بحيث يخرج عن حدود الفهم والوصف، لا سماع قصته فقط.
{وأضلّ فرعونُ قومَه} أي: أتلفهم وسلك بهم مسلكًا أدى بهم إلى الخيبة والخسران، حيث ماتوا على الكفر، وأوصلهم إلى العذاب الهائل الدنيوي، المتصل بالعذاب الدائم الأخري، {وما هدَى} أي: ما أرشدهم قط إلى طريق توصلهم إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية. وهو تقرير لإضلاله وتأكيد له، وفيه نوع تهكم به في قوله: {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غَافر: 29]، فإن نفي الهداية عن شخص مشعر بكونه ممن يتصور منه الهداية في الجملة، وذلك إنما يتصور في حقه بطريق التهكم. والله تعالى أعلم.
الإشارة: انظر عاقبة من شدّ يده على دينه، وصبر على شدائد زمانه، كيف خرقت له العوائد، وجاءه العز والنصر فأنساه تلك الشدائد، وأهلك الله من كان يؤذيه من الأعداء، وسلك به سبيل النجاة والهدى، وهذه عادة الله مع أوليائه، يُشدد عليهم أولاً بضروب البلايا والمحن، ثم يعقبهم العز والنصر وضروب المنن.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8